أسواق النفط: استقرار نسبي وسط صراع جيوسياسي

Khaled

شهدت أسعار النفط تراجعًا خلال شهر مايو الماضي مسجلة خسائر شهرية تخطت 5%، حيث تواجه أسواق النفط العالمية توقعات اقتصادية ضعيفة مع تحول أنظار الصناعة إلى التطورات المحورية التي تتعلق بمستويات العرض والطلب والتي قد تتشكل خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وأدت المخاوف بشأن بقاء أسعار الفائدة الأمريكية مرتفعة لفترة طويلة إلى مزيد من الضغوط الهبوطية على الأسعار، حيث تعمل أسعار الفائدة المرتفعة على زيادة تكاليف الاقتراض مما قد يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي وتقليل الطلب على النفط.

يتوقع العديد من خبراء السوق أن يظل النفط الخام في نطاق 79 – 85 دولار في الربع الثالث من عام 2024، ويعتقد بنك جي بي مورجان أن يبلغ متوسط ​​سعر خام برنت 84 دولار للبرميل في عام 2024 و 75 دولار في عام 2025، كما تتوقع الأسواق أن تقوم أوبك بتمديد تخفيضات الإنتاج حتى النصف الثاني من هذا العام لدعم الأسعار وأن تتراوح بين 70 – 90 دولار للبرميل في عام 2024.

منذ عام 2022 خضع سوق تداول النفط لصدمات خارجية مختلفة بما في ذلك الحرب المستمرة في أوكرانيا والتي عطلت سلاسل التوريد وتسببت في تقلبات في أسعار الطاقة على مستوى العالم، بالإضافة إلى ذلك، فإن احتمال فرض عقوبات جديدة على الدول المنتجة للنفط والتغييرات في سياسات الإنتاج والحرب المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط والتحولات في أنماط استهلاك الطاقة بسبب النمو الاقتصادي أو الانكماش، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على أسعار النفط.

سيتي بنك يخفض توقعاته لسعر خام برنت إلى 74 دولار للبرميل

قام سيتي بنك بمراجعة توقعاته لسعر خام برنت لعامي 2024 و 2025 مستشهدًا بمخاوف تجاه فائض المعروض المحتمل مع الاعتراف بإمكانية ارتفاع الأسعار في الأمد القريب بسبب التوترات في الشرق الأوسط، وخفض سيتي بنك توقعاته لسعر خام برنت لعام 2024 بمقدار دولار واحد إلى 74 دولار للبرميل وأجري تعديلا أكثر جوهرية لتوقعاته لعام 2025 وخفضها بمقدار 10 دولارات إلى 60 دولار للبرميل، تعكس هذه التغييرات التوقعات بسوق معروض واسع في السنوات القادمة على الرغم من المخاطر الجيوسياسية المستمرة التي قد تدفع الأسعار إلى الارتفاع مؤقتا.

تعكس بيئة السوق الحالية توازنا دقيقا بين قيود العرض وتقلبات الطلب، يُنظر إلى قرار أوبك بلس بتمديد التخفيضات على أنه خطوة لتثبيت الأسعار وسط هذه التقلبات، ومع ذلك، غالبًا ما تتأثر فعالية هذه التخفيضات بمستويات امتثال الدول الأعضاء واستجابات الإنتاج من قبل منتجي النفط من خارج أوبك وخاصة في الولايات المتحدة.

يشير تحليل البنك إلى فائض كبير في عام 2025 حتى لو استمرت أوبك بلس في تخفيضات الإنتاج حتى نهاية ذلك العام، يشير هذا التوقع إلى أن مشكلة العرض الزائد قد تستمر، مما يفرض ضغوطًا هبوطية على الأسعار على الرغم من أي اضطرابات جيوسياسية قصيرة الأجل.

كما قام بنك باركليز بمراجعة توقعاته لسعر خام برنت وخفضه بمقدار 8 دولارات إلى 85 دولار للبرميل لهذا العام، وعلى الرغم من التخفيض، أبرز بنك باركليز أن أسعار النفط قد لا تزال مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، مما يشير إلى إمكانية إجراء تعديلات مستقبلية مع تطور ظروف السوق.

تأثير أوبك على ديناميكيات جانب العرض

على جانب العرض، ينقسم المشهد: من ناحية إلى أوبك بلس ومن ناحية أخرى إلى الموردون من خارج أوبك.

منذ عام 2022 أعلنت أوبك بلس عن عدة تخفيضات في الإنتاج، بما في ذلك تخفيضات طوعية من قبل أعضاء رئيسيين مثل المملكة العربية السعودية وروسيا وهما أكبر منتجين في المجموعة وتحملا الجزء الأكبر من التخفيضات، وفي الاجتماع الأخير لأوبك بلس تم الاعلان عن تمديد تخفيضات الانتاج حتي شهر يونيو 2024، ومع ذلك، فشل الاجتماع الأخير في إقناع السوق لعدة أسباب، أولاً، أفادت وسائل الإعلام عن التأخير الأولي للاجتماع (وإن كان قصيرًا) نتيجة للخلافات الداخلية، حيث كانت بعض الدول الأفريقية بما في ذلك أنجولا ونيجيريا تقاوم خفض حصص إنتاجها، وعندما عقد الاجتماع أعلنت أنجولا التي انضمت إلى المجموعة في عام 2007 أنها ستترك المجموعة، أنجولا ليست الدولة الأولى التي تترك أوبك فقد فعلت قطر ذلك في يناير 2019 من بين دول أخرى.

وعلاوة على ذلك، أثار توقيت خروج أنجولا في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها أسواق النفط الشكوك حول تماسك المجموعة وبالتالي تأثيرها، وثانيا، والأهم من ذلك، لم يُنظر إلى التخفيضات المعلنة على أنها كبيرة بما يكفي لتغيير مسار الأسعار، وخاصة عندما مددت المملكة العربية السعودية وروسيا تخفيضاتهما المعلنة سابقًا، وفي الوقت نفسه، استمر إنتاج النفط الإيراني المعفي من أي حصص في الارتفاع داخل أوبك.

ولكن العامل الرئيسي الذي شكل إمدادات النفط في عام 2023 ومن المتوقع أن يستمر في ذلك هذا العام كان النمو السريع خارج أوبك بلس وخاصة من الولايات المتحدة (التي تحدت مرة أخرى التوقعات ووصلت إلى رقم قياسي جديد للإنتاج في عام 2023) وكذلك من منتجين آخرين مثل غيانا والبرازيل، ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من انضمام البرازيل إلي المجموعة في اجتماع شهر ديسمبر الماضي، إلا أن البرازيل صرحت بوضوح أنها لن توافق على أي قيود إنتاجية.

ورغم أن نمو العرض من خارج أوبك بلس من المتوقع أن يتباطأ في عام 2024، إلا أنه من المتوقع أن يتجاوز نموه الطلب، مما يزيد من الضغوط الهبوطية على الأسعار، وستكون قدرة أوبك بلس على الحفاظ على التضامن والانضباط ضرورية إذا كانت تريد ضمان عدم بدء الأسعار في الانزلاق نحو الانخفاض.

توقعات بتمديد أوبك قيود العرض حتى النصف الثاني من العام

أجرت أوبك بلس سلسلة من تخفيضات الانتاج منذ نهاية عام 2022، في ظل ارتفاع معدلات الانتاج الأمريكية وغيرها من دول غير أعضاء ومخاوف متزايدة بشأن توقعات الطلب مع صراع الاقتصادات الكبرى مع أسعار الفائدة المرتفعة لترويض التضخم، وستعمل مجموعة إنتاج النفط على التوصل إلى اتفاق معقد سيتم الاتفاق عليه في يونيو والذي سيسمح للمجموعة بتمديد بعض تخفيضات إنتاج النفط العميقة حتى عام 2025.

تخفض المجموعة حاليًا مستويات الإنتاج بنحو 5.86 مليون برميل يوميًا، أى ما يعادل 5.7% من الطلب العالمي، تشمل تخفيضات الانتاج حوالي 3.66  مليون برميل يوميًا من أعضاء أوبك بلس سارية حتي نهاية عام 2024، ونحو 2.2 مليون برميل يوميًا من التخفيضات الطوعية من قبل بعض الأعضاء والتي تنتهي في نهاية يونيو.

على الرغم من تخفيضات الإنتاج العميقة، تتداول أسعار خام برنت بالقرب من أدنى مستوياتها هذا العام عند 81 دولار للبرميل انخفاضًا من ذروة 91 دولار في أبريل، تحت ضغط المخزونات المرتفعة والمخاوف بشأن نمو الطلب العالمي.

عن اخبار وكالة الطاقة الدولية التي تتخذ من باريس مقرا لها خفضت توقعاتها لنمو الطلب على النفط في عام 2024 مما أدى إلى توسيع الفجوة مع أوبك بلس من حيث توقعات الطلب العالمي على النفط هذا العام، وبحسب المحللين، فإن الفجوة بين وكالة الطاقة الدولية وأوبك ترسل إشارات متباينة حول قوة سوق النفط في عام 2024.

الفجوة بين وكالة الطاقة الدولية وأوبك الآن أوسع مما كانت عليه في وقت سابق من هذا العام، عندما وجد تحليل لوكالة رويترز للأنباء أن الفارق البالغ 1.03 مليون برميل يوميا في فبراير كان الأكبر منذ عام 2008 على الأقل.

عدم اليقين بشأن الطلب في المستقبل والصحة الاقتصادية

أحد العوامل التي تسببت في هذا التباين في التوقعات هو التوقعات بشأن نمو الطلب على النفط، والذي يتحدد بدوره إلى حد كبير بصحة الاقتصاد.

والفجوة واضحة في البيانات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية وتقارير سوق النفط الشهرية الصادرة عن أوبك، في تقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر في يناير الماضي توقعت الوكالة  تباطؤ نمو الطلب على النفط بنحو النصف هذا العام ليصل إلى 1.2 مليون برميل يوميا مقارنة بنمو قدره 2.3 مليون برميل يوميا في عام 2023، وعلى النقيض من ذلك، تتوقع أوبك أن يظل الطلب على النفط قويا وينمو بمعدل “صحي” يبلغ 2.2 مليون برميل يوميا وهو ضعف تقديرات وكالة الطاقة الدولية، وفي كلا التوقعين، تمثل آسيا والصين على وجه الخصوص حصة الأسد من هذا النمو، لكن هذا الجانب بعيد كل البعد عن اليقين.

الصين هي ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، وكانت المحرك الرئيسي لنمو الطلب على النفط منذ بداية هذا القرن ومن المتوقع أن تظل كذلك لسنوات عديدة، عندما أعلنت الصين في ديسمبر 2022 أنها تتخلى عن سياسة صفر كوفيد، توقع معظم مراقبي سوق النفط زيادة كبيرة في الطلب على النفط والأسعار تبعا لذلك، ومع ذلك، كشفت الأشهر التالية تدريجيا عن مشاكل هيكلية في الاقتصاد: قطاع العقارات المثقل بالديون وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، ومن غير المرجح أن تتبدد هذه المشاكل بين عشية وضحاها، ومن المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد الصيني هذا العام إلى 4.2% مقارنة بنحو 5% في العام الماضي وهو أدنى مستوى له منذ عقود.

السيناريوهات

حتى عندما لا ينخفض ​​المعروض من النفط، فإن هناك مخاوف متزايدة من أن ذلك قد يؤدي عادة إلى ارتفاع الأسعار، في بداية الحرب في أوكرانيا، توقعت بعض المؤسسات أن تتجاوز الأسعار 300 دولار للبرميل، وحذر العديد أيضًا من أسعار ثلاثية الأرقام بعد اندلاع الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس.

يعتمد تأثير الجغرافيا السياسية على أسواق النفط أيضًا على مقدار “وسادة الأمان” الموجودة في النظام، هذه الوسادة هي القدرة الاحتياطية، والتي تم تعريفها على أنها “حجم إنتاج النفط الذي يمكن تشغيله في غضون 30 يوم والحفاظ عليه لمدة 90 يوم على الأقل”، وقد حذر جي بي مورجان من أن انخفاض القدرة الاحتياطية يقدم علاوة مخاطر إضافية تبلغ حوالي 20 – 30 دولار للبرميل.

إن الطاقة الاحتياطية للنفط في العالم تتركز في دول أوبك، وكلما قلصت المجموعة الإنتاج كلما زادت قدرتها على تجديد هذه القدرة، واليوم، أصبحت الطاقة الاحتياطية لإنتاج النفط الخام لدى أوبك أعلى بكثير من متوسطات السنوات الخمس والعشر الماضية وهي عند ثالث أعلى مستوى في أكثر من 20عامًا، ومن خلال خفض الإنتاج لمنع الأسعار من الانزلاق أكثر ساعدت أوبك أيضًا في منع الأسعار من الارتفاع، وسواء كان هذا مصممًا بعناية أو ببساطة نتيجة لتخفيضات الإنتاج، فقد حققت المنظمة سبب وجودها الذي طالما تم الترويج له لتحقيق استقرار السوق.

من المرجح جدًا: سيحاول الساسة منع صدمات العرض قبل الانتخابات

لا يزال الشعور السائد الحالي بالوفرة والمشاعر الهبوطية التي تهيمن على توقعات أسواق النفط لهذا العام يمكن أن تتغير إذا تصاعدت التوترات الجيوسياسية وخاصة في الشرق الأوسط وتسببت في خسارة كبيرة في العرض، ومع ذلك، من المرجح أن يضغط العديد من اللاعبين الرئيسيين بقوة لتجنب مثل هذا السيناريو، سيكون عام 2024 أكبر عام انتخابي عالمي في التاريخ وستكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية هي الأقرب مشاهدة، وبالتالي فإن صدمة العرض وارتفاع أسعار النفط اللاحقة لن تكون بمثابة نذير خير لأولئك الذين يسعون إلى تحقيق النصر الانتخابي.